السبت، 23 يناير 2010

الـتـكـفـير فـي تـاريـخ الـكـويـت




"عبارات التكفير والردة لا تتردد إلا على ألسنة الجهلة الذين أغلقوا عقولهم".
شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي


أطلقت عبارات التكفير لأول مرة في التاريخ الإسلامي على ألسنة الخوارج الذين رفضوا التحكيم بعد معركة صفين تحت شعار يراد به باطل مفاده ( لا حكم إلا لله ) و بذلك سطرت في صفحات التاريخ أول حادثة تكفير متسترة بعباءة دينية.


هذا النهج التكفيري المتدين الذي ظهر منذ أكثر من 1400 سنة ازدادت وتيرته و "شعبيته" في منطقتنا في عقود من الزمن ليست ببعيدة عنا. بل و تطور هذا النهج إذ أصبح لأصحابه مكانة و معاملة خاصة لدى بعض الحكام ، و كل هذا بسبب التقاء المصالح و شهوة الدم و الظلم .. و حجب العقل !


الكويت بموقعها الحساس تتأثر بكل ما هو حلو و مر يطرأ على المنطقة ، فلم تسلم و يسلم أهلها من التكفير و وزره ! طال التكفير "الوافد" مصلحي الكويت و مؤسسيها و حلفاءها و ضيوفها .. و لولا نباهة أهل الكويت - آنذاك - لحدث ما لا يحمد عقباه.





- للأمير خزعل الكعبي - حاكم المحمرة - علاقة حميمة مع الشيخ مبارك الكبير بدأت في 1320 هجري. كانا كالأخوة الأشقاء إذ قام خزعل ببناء قصر لأخيه الشيخ مبارك في الفيلية ، فقابله الشيخ مبارك ببناء قصر له - خزعل - بجانب قصره .. أصبح هذا القصر الآن معلماً من معالم الكويت. في ربيع الثاني سنة 1333 هجري بعد احتلال الانجليز للبصرة ثار الناس على الشيخ خزعل الكعبي - حاكم المحمرة - لدعمه للانجليز. و أمام هذه الثورة على الأمير خزعل أراد مبارك الكبير أن يجند مجموعة من الكويتيين لمناصرة خزعل ، فقام حينها أثنان من رجال الدين ( محمد الشنقيطي - حافظ وهبة المصري ) بالذهاب للدواوين و إخبار من فيها أن مناصرة الشيخ خزعل تؤدي إلى الردة و الكفر (1) فتأثر الكثير منهما ، و عندما جاء الأمر لهم بالمسير رفضوا الاستجابة للأمر ! أخبر الشيخ جابر والده مبارك الذي كان في الفيلية بما حصل فغضب شديداً و تعهد بتعكير صفوهم و قال لهم: ( أنا لم أرد رجالاً لقتال و إنما سفناً لنقل أثاث أخي خزعل و أمواله و عائلته إلى الكويت ) فتم تجهيز 180 رجلاً في ست سفن شراعية لفعل اللازم (2).

استدعى الشيخ مبارك لرجلي الدين اللذان حرضا الناس لعصيانه فقال لهم: ( من حسن إسلام المرء تركه فيما لا يعنيه .. أنا مسلم عثماني أغار على ديني و دولتي و لا أحب أن يتعرض أحد لهما بالسوء غير أني اتفقت مع الانجليز على أمر فيه نفع لي و لبلدي ، و لهذا لا أحب الطعن فيهم و إن كنت لا أحبهم و ديني غير دينهم ... الذي ينازعني فيها - الكويت - ليس له عندي إلا القتل ) فقال الشنقيطي: ( إن من أخبرك هذا فقد أخطأ و لم يتحر الحقيقة ) فرد مبارك: ( لا بل هو صادق فيما قال ). (3)



أرسل الشيخ مبارك كاتبه الخاص ملا صالح لأخذ موعد مع الشنقيطي بعد ثلاثة أيام. هنا ارتاب الشنقيطي و خاف أن يكون وراء ذلك مكيدة ، فهرب للزبير. (4) و أما عن الذين تأثروا بالشنقيطي و حافظ و قاموا بعصيان مبارك و الخروج عن طاعته فلولا شفاعة المقربين إليه لفرض عليهم ضريبة فادحة.(5) و بعد وفاة الشيخ مبارك جاء الشنقيطي للكويت قادماً من القصيم فأرسل الشيخ سالم المبارك للشنقيطي و خاطبه قائلاً: ( إني احترم العلم و أهله و لولا ذلك لعاقبتك عقاباً شديداً تكون فيه عبرة لمن بعدك و لكني سأغض النظر عن معاقبتك الآن غير أني لا أطيق بقاءك في بلدي و عليك أن تغادرها بعد ثلاثة أيام ) فقال الشنقيطي: ( البلد بلدك و لا يمكنني البقاء فيها إلا بإذن منك و برضاك.) (6)

- عبدالعزيز بن صالح العلجي الإحسائي رجل عرف عنه بإثارة الفتن و النعرات ، فقد كان يطلق الكفر و الإلحاد على المسلمين و يستحل دماءهم. محمد رشيد رضا كان أحد ضحايا فكر هذا الإحسائي التكفيري ، حيث كان يقول فيه:

إلى الله نشكو من ضلال على عمد .. أتتنا به الجهال عن كل مرتد

قلوا كتب الأسلاف و استبدلوا بها .. سجلات أصحاب المنار (7) التي تردي

من خلال تعاليمه التكفيرية هذه حاول أحدهم قتل محمد رضا خلال زيارته للكويت .. حيث ترصد له بالطريق الذي يمر منه عادة ، و لكن في هذا اليوم كان من لطف الله على محمد رضا عدم مروره بالطريق ! (8) الشيخ مبارك الكبير كعادته و بفطرته علم بكل ما جرى و بسداد رأيه بالشدائد و أحلك الظروف ذهب للذين يأوون ذلك التكفيري و قال لهم: ( أعطوا صاحبكم ما قسم له و دعوه يذهب إلى بلده فلسنا في حاجة إلى أمثاله ممن يبثون الفتن و يحكمون على أهل العلم بالكفر و الضلال ، دعوه يغادر البلاد سريعاً و إلا أخرجناه منها قسراً ) و قد صرح معتقديه في أحد المجالس أن قتل ثلاثة من أهل الكويت ثمن لدخول الجنة بغير حساب و هم يوسف بن عيسى القناعي و صقر الشبيب و عبد العزيز الرشيد. (9)

- كان العداء على أشده بين آل الصباح و آل سعود خلال فترة حكم الشيخ سالم. من ضمن ما يقوله أنصار ابن سعود لتبرير عدائهم للكويت أن الشيخ سالم ينفر من مذهب الوهابيين. أما أنصار سالم فيقولون إن الأخوان كفروا أهل الكويت و الشيخ سالم. (10)




- بعد حادثة الجهراء جاء منديل بن غنيمان أحد أقارب الدويش نائباً عنه قال للشيخ سالم: ( إن الدويش يريد مسالمتكم و هو يدعوكم إلى الإسلام و ترك المنكرات و الدخان و إلى تكفير الأتراك فإن أذعنتم لما أراد و قبلتموه أسلمكم على القصر و ما فيه و إلا فسيرخص للإخوان بمهاجمتكم ) فقال سالم: ( أما الإسلام فنحن مسلمون و لم نكفر يوماً ما لأن الإسلام مبني على خمسة أركان و نحن عليها و نزيل من المنكرات ما وسعنا إزالته و لم يثبت عندما ما يوجب تكفير الأتراك ). (11)




- العدد الخامس من مجلة راية الإسلام الصادرة بالرياض قام إبراهيم الجبهان "كويتي الجنسية" بالتهجم على عقائد الشيعة ، فما كان من الشيخ عبد الله السالم إلا طرده من الكويت بعدما علم بما فعله هذا الطائفي.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(1) كتاب "تاريخ الكويت" لعبد العزيز الرشيد ص 204

(2) المصدر السابق ص 205

(3) المصدر السابق ص 206

(4) المصدر السابق ص 207

(5) المصدر السابق ص 208

(6) المصدر السابق ص 241

(7) مجلة المنار أول مجلة إسلامية في العالم الإسلامي كان يشرف عليها محمد رشيد رضا.

(8) كتاب تاريخ الكويت ص 346

(9) المصدر السابق ص 347

(10) المصدر السابق ص 246

(11) المصدر السابق ص 256