الاثنين، 9 أغسطس 2010

رحيل علم من أعلام الفكر في الوطن العربي


ما أصعب و أقسى سماع خبر بفقدان عقل من العقول النيرة هذا الوقت الذي أتسعت العقول فيه خواءً و فضاوة .. و بكل فخر! بينما العقول المتنورة عملة نادرة و يصعب وجودها في زحام التخلف و علاوة على ذلك تصعب أطلالتها على الملأ خوفاً من السعير الذي سيحرقهم خلف آراءهم و أطروحاتهم ، فسياط العادات و التقاليد و سجون الإستبداد و قذائف الردة و التكفير و التأثيم على أهبة الاستعداد. في هذه الأجواء قلما نرى مجاهدي الفكر و مقاومي العتمة المعرفية يناضلون في نشر أفكارهم كاسرين بذلك حاجز السكون الثقافي المهيمن على أفراد مجتمعاتهم.

الكويت كحال باقي بلدان العالم التي انجبت علماء كبار .. ظهر منها من طل على مجتمعها بأفكار و أدبيات جديدة لم يعهدها الناس من قبل. و لكن كما يقول الفيلسوف الأنجليزي جون لوك ( الأفكار الجديدة هي موضع شك دائماً و تتم مقاومتها غالباً لسبب أنها لم تصبح شائعة بعد ) و نستذكر في ذلك هجرة ( الجامعي الأول بتاريخ الكويت ) الشيخ الأزهري مساعد البريكي في أوائل القرن الماضي إلى البحرين نتيجة بعض آراءه السياسية و دعوته لتعليم البنات ، في الوقت الذي كانت فيه المرأة عورة بأكملها! و نذكر أيضاً الشاعر فهد العسكر الذي ازدراه جيله و أنصفته الأجيال اللاحقة.
في الخمسينيات ولد أحمد مبارك البغدادي في خضم أجواء مشتعلة ( إيدلوجياً ) و ناشطة سياسياً كان لها الأثر في تفكيره. إتجه في شبابه لدراسة العلوم السياسية في جامعة الكويت و من بعدها حصل على الماجستير في الفكر السياسي الغربي من جامعة كلارك الأمريكية حتى حصل على الدكتوراة في الفكر الإسلامي من جامعة ادنبرة الاسكتلندية.

استلهامه الفكر الإسلامي السياسي من ابن تيمية و ابن القيم الجوزية و الماوردي ، و تشربه للفكر السياسي الغربي الذي نضج على افكار على فلاسفة العقل و دعاة الحرية .. كون له قاعدة انطلق بها لعالم الفكر و السياسة غير آبه بما سيحصل جراء ذلك متسلح بالجرأة التي يتسم بها و بالحرية التي ينشدها!

كتب في عدة صحف محلية شاكس بها تيارات الظلام و الرجعية و دك حصونهم ، و قام بإعداد عدة بحوث و كتب تدرس في العديد من الجامعات و أبرز كتاب له هو الذي كان بعنوان ( تجديد الفكر الديني - دعوة لإستخدام العقل ) الصادر في عام 1996 و يدور محور الكتاب حول إخراج الفكر الإسلامي من وحل الجمود و الإنغلاق و التطرف ، و إصلاحه ليواكب الحداثة البشرية و العصر و مستجداته و ليتوافق مع العقل الذي لولاه لما آمنا بالله .. فمن لا يفهم لا يؤمن و ( العقل رسول الحق ) مثلما قال الإمام علي عليه السلام ، و يقول في هذا الصدد أيضاً أحد أعلام الكويت الشيخ يوسف بن عيسى القناعي في ( الملتقطات ):

لأن العقل أصل النقل .. مهما تأوله ونكبه رجوعا

يخالف أصله سقطاً جميعا .. اذا ما النقل خالف حكم عقل



طوال مسيرته دخل في مواجهات عديدة مع شخوص الإسلام السياسي إذ يعتبرون اغلب ما يقوله من المحرمات ، فلم تكفهم السباب و التأثيم و فتاوى الطعن بالجملة! إذ وصلوا إلى حد المحاكم لينالوا من الدكتور البغدادي .. ليس فقط المحاكم الكويتية بل الخليجية حتى !!

طعنوا في شخصه و دينه و علاقته بربه .. فهل كان بالفعل كذلك ؟!



إن من ينشد الإصلاح يهدف لتلافي السلبيات و إحلال الإيجابيات ، و دعوة البغدادي للإصلاح الديني في عدة كتابات و مؤلفات له دلالة على حبه لدينه. و موقفه من الدين يلخصه قوله الآتي: ( لا مجال للخروج من المأزق الذي يعيشه المسلمون الآن ، سوى التقدم بمفاهيم جديدة تتلاءم مع روح العصر و مقتضيات وقائعه ، ولا يعني ذلك رفض المفاهيم الدينية أو إنكارها ، فالدين أساسي لكل مجتمع ، إذ لا روح لمجتمع لا دين فيه ) من كتابه "تجديد الفكر الديني" ص 203

و أكثر ما يعيب به الإسلاميون الدكتور أحمد البغدادي و محبيه هو اتهامهم له بسب النبي و إساءة الأدب معه! و لإزالة الشك باليقين و لتوضيح الملابسات ، فإن ما قاله الدكتور البغدادي كان رد على إصدار قانون منع الاختلاط في جامعة الكويت .. و لنقرأ الجزئية - كاملة - التي أثارت الإسلامويين .. يقول الدكتور البغدادي:
( لقد فشل النبي صلى الله عليه و سلم في فرض الإسلام على المجتمع المكي مدة ثلاثة عشر عاماً إلى حين دخل الإسلام قلوب الأنصار من أهل يثرب أليس في هذا الأمر إلهام عبرة ؟! لم تكن في المدينة جماعات التأسلم السياسي ، و لم يكن هناك أخوان ولا سلف ولا حزب تحرير ولا جماعة تبليغ. كل ما هناك إسلاماً بسيطاً نقياً خالصاً يدخل القلوب بالكلمة الطيبة ) من "مجلة الشعلة" في عددها الصادر بتاريخ 25/7/1996

هل فيما قاله الدكتور فيه قلة أدب مع الرسول الأكرم ؟! و كيف يقل أدبه و هو قام بالصلاة على النبي ؟! و كيف يسيء لحامل رسالة الإسلام و هو مدح الرسالة المحمدية ؟! .. قبح الرب المتعجرفين مالكم كيف تحكمون ؟!
قاموا ببتر و لي عنق حديث الدكتور البغدادي و صبوا جام تركيزهم و غضبهم على كلمة "فشل النبي" و هذه الكلمة - و إن كنت اعتبرها شخصياً خطأ - لا تستحق كل هذا التهويل و التصعيد و الشتائم! فجل من لا يسهو و ليس بزماننا هذا من هو معصوم عن الخطأ. إلا أن هذا الهجوم ثبت أنه هجوم سياسي لا ديني و كعادة المتأسلمين حين يفلسون و يعجزون فكرياً مع خصومهم السياسيين ، إذ يقومون بلحاف قضاياهم و خصوماتهم بغطاء ديني لأكسابهم شرعية مزعومة أمام العامة التي تنحني بكل سهولة أمام أصحاب اللحى الطويلة و الدشاديش القصيرة "المقصملة" !!
و ما يدلل على صحة مقولتنا من أن هجوم تيارات التدين السياسي هجوم إنتقائي له دوافع شخصية سياسية ، ما كتبه النائب و الوزير السابق الإسلامي يوسف سيد هاشم الرفاعي في جريدة الرأي العام بعددها رقم 11798 ، حيث كان رده دفاعاً عن الحق و متضمناً أدلة شرعية عدة. يلخص الأستاذ يحيى الربيعان الرد المطول للرفاعي بهذا الإيجاز:

( سماحة الإسلام تتسع لغلطة البغدادي لأنه لم يقصد نية التحقير وغيره· فهناك من العلماء الذين تدرس كتبهم قالوا أفظع مما قاله· كما أن المقال الذي نشره في مجلة الشعلة الطلابية، لم يكن مخصصا للنيل من قدر النبي العظيم، وإنما جاءت كلمة "الفشل" استطرادا وفي سياق الكلام عن تطور مراحل الدعوة الإسلامية بين مكة والمدينة حسب فهم الدكتور البغدادي، وهذا الموضوع "عدم نجاح الدعوة في مكة حيث انطلقت ونجاحها في المدينة" إنما هو بإرادة وحكمة وتقدير من الله، ولم يكن بتقصير في جهد بشري من صاحب الدعوة وقائد المسيرة بإذن ربه ... إن هناك بعد ما تقدم من كون الدكتور استبعد سوء القصد والنية في مقالته، إنه أساء التعبير فاستعمل كلمة "فشل بدلا من كلمة لم ينجح" مما اعتبره بيان فتوى الأوقاف داخلا "تحت باب سوء الأدب" مع الرسول الكريم، وهنا أحب أن أقول: إن غيره من العلماء والمبرزين الذين تدرس كتبهم في الجامعات وكلية الشريعة مع الأسف، قد تجاوزوا ما قاله الدكتور البغدادي، الذي هو رجل أكاديمي وقد يعذر إذا فاتته الآداب الشرعية التي لم يدرسها أو يطلع عليها، ولم يعترض عليهم أحد حتى الآن ).

و مع كل هذا تم الحكم بالسجن في عام 1999 على الدكتور أحمد البغدادي بتهمة الإساءة إلى النبي الأكرم في سابقة تحدث لأول مرة في دولة الكويت المشهود لها بحريتها كما كان سابقاً و كما هو مفترض "دستورياً" !
هذا الحكم و غيره من الأحكام و القضايا .. كلها محاولات يائسة من أصحاب شهوة تكميم الأفواه باءت بالفشل ، فلم تثن الدكتور البغدادي كل هذه المحاولات عن سيره في درب التنوير و الترويج لأفكاره الليبرالية و العلمانية. هذه الأفكار التي أصبحت شتيمة لمن يحملها أو يؤمن بها! و خصوصاً العلمانية التي يصنفها تيار الجهل المعرفي و التيار الإسلاموي المتشدد بأنها عبارة عن ( إلحاد ) و إنحلال عن الأخلاق و القيم الدينية و تغريب للمجتمع و فسق و فجور و كفر ... إلخ من التخاريف الدينية!
و لإنارة الظلام و كبح جماح التضليل الواقع على من يأخذ هذا الإنطباع الخاطئ عن العلمانية ، يعرف الدكتور أحمد البغدادي العلمانية ببساطة في قوله:
( التعريف الأكاديمي للعلمانية هو القاضي بفصل الدين عن التشريع و السياسة و الأقتصاد ) .. و يمضي قائلاً بالحديث حول العلمانية و يقول عن واقع العلمانية في الدول المعاصرة التي تبنتها: ( المفاهيم السياسية التي فرضتها العلمانية مبدأ فصل السلطات ، و سيادة الأمة ، و الدستورية و الديمقراطية ، و كذلك المفاهيم القانونية بإقرار قواعد قانونية عامة مثل لا عقوبة إلا بنص ، و نفي المرجعية الدينية كأساس للنص القانوني ، و إلغاء الحدود أو العقوبات الدينية ، إضافة إلى الفصل بين القضاء الشرعي و القضاء المدني ، و الفصل بين التعليم الديني و التعليم المدني ) من كتابه "تجديد الفكر الديني" ص 53 و 55.
في الأمس و بعد رحلة مريرة مع المرض استمرت لعدة شهور .. رحلت هذه القامة الفكرية العملاقة عنا إلى الباري عز و جل ، رحل عنا بجسده لكنه سيبقى بفكره و حراكه التنويري. نعزي القلم الجريء و الفكر الحر و الثقافة العربية قبل أن نعزي أنفسنا ، و ليفرح أعدائه برحيله فهم تخلصوا ممن كان يعريهم و يجردهم من تصنعهم!



إلى رحمة الله أيها الـحُـر

السبت، 1 مايو 2010

التعددية الـفـكـريـة سمة التيار الوطني

"نحن حركة سياسية إصلاحية تحترم دستور 62 و تعتقد أنه يمثل بداية معقولة للإصلاح السياسي و الإقتصادي في الكويت" د.أحمد الخطيب.



تنفرد التيارات الوطنية بدعوتها للعدالة و المساواة بغض النظر عن إختلافات الدين أو الجنس أو اللون أو العرق ، و تتميز أيضاً التيارات الوطنية في احتوائها لجميع مكونات الوطن و فئاته .. مما يجعلها - أي التيارات الوطنية - قالباً متنوعاً ليس لديه أي مشكلة مع التعددية بشتى أنواعها ( الدينية - العرقية - الفكرية ) بل يتعامل معها كأحد صور المساواة التي يتبناها و ينادي بتطبيقها.

و لعل الأفكار و الإيدلوجيات أهم ما في عالم السياسة ، فالدول لا تسير إلا بنظام سياسي واضح المعالم فكرياً ، و التيارات السياسية لا تقوم إلا بمنطلقات فكرية ترجع إليها و تسرتشد بها. التيار الوطني بالكويت يشهد التاريخ عليه بأنه قالب سياسي يحوي على إيدلوجيات مختلفة و متنوعة تنتهج النهج الدستوري.


و لإزالة اللبس و الخطأ الذي يقع فيه الكثيرين في وصفهم بأن التيار الوطني تياراً ليبرالياً أو شيوعياً أو قومياً !! لابد من استعراض مسيرة التيار الوطني و المنعطفات الهامة بتاريخه لإلقاء الضوء على تحركاته و مدى تقاربها للأفكار السياسية.

نستطيع القول أن الحركة الإصلاحية الوطنية التي ظهرت عام 1938 ( رغم التحفظات الكثيرة عليها ) كانت ذات نزعة قومي و مطالبات ليبرالية تمثلت في المطالبة بحياة دستورية و ديمقراطية في البلاد ، و في مؤسسة نيابية للشعب ( مؤسسة ليبرالية كما جاء في الوثائق البريطانية ).


برزت القضية الفلسطينية على السطح العربي ، فدب معها النشاط السياسي و تبعه الفكري مرة أخرى في الكويت التي باتت مجمعاً لشتى الأفكار و التيارات السياسية.. كان هناك الأخوان المسلمين و حزب التحرير الإسلامي و الشيوعيين و القوميين العرب و البعث الإشتراكي.
تمخضت هذه الصحوة السياسية في الكويت بإستقلال البلاد و وضع دستوراً لها شارك الشعب في صياغته. فإزدادت وتيرة نشاط التيارات الفكرية بالحياة السياسية الجديدة.


كان يمثل التيار الوطني في المجلس التأسيسي و مجلس الأمة في الستينيات القوميين العرب و بعض العناصر الوطنية المستقلة ، و قد حاولت بعض العناصر البعثية خوض الانتخابات لكن محاولتهم بالظفر بأحد المقاعد النيابية باءت بالفشل. جاءت نكسة 67 فإنتكست معها التيارات الوطنية العروبية أجمع! اجتمعت قيادة حركة القوميين العرب في اجتماع سري لها في دبي عام 1968 فقررت إتخاذ الماركسية اللينينية منهجية فكرية لها بعد ما كانت الحركة تحاربها بشدة .. أثار ذلك حفيظة فرع الكويت فوصفوا الماركسية بأنها مجرد بحث فلسفي وقالوا في الاجتماع "ماذا فعلت الأحزاب الشيوعية في الوحدة العربية و الآن ما الفرق بيننا و بينها؟" رفض فرع الكويت هذا القرار و غيره من القرارات الثورية ، فتم تجميد فرع الكويت من قبل قيادة الحركة إزاء هذا الرفض و تعيين فيما بعد فرع آخر له ترأسه عدة شبان أبرزهم كان المرحوم د.أحمد الربعي و أحمد الديين و عبداللطيف الدعيج .. الذين اسسوا هم و غيرهم الحركة الثورية الشعبية ( حزب إتحاد الشعب ) ذات الإيدلوجية الشيوعية الماركسية.



كان هذا الانقسام الفكري الأول للتيار الوطني حتى جاءت مبادرة روجرز لتكرس الانقسام الفكري الثاني ، و قبل الخوض فيما حدث بعد هذه المبادرة علينا التوضيح من أن حركة القوميين العرب كانت حليفة الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر للإلتقاء بينهما لعدة نواح أهمها الوحدة العربية الإشتراكية و القضية الفلسطينية فكان عبدالناصر يحضر جميع اجتماعات الحركة ، و كان د.أحمد الخطيب ممثل فرع القوميين العرب في الكويت و الخليج - قبل تجميده - لذلك كانت لديه علاقة قوية و حميمة مع جمال عبدالناصر .. حتى قال ذات مرة الأمير طلال بن عبدالعزيز آل سعود "اثنان لهم معزة و مكانة خاصة في قلب عبدالناصر ، كمال جنبلاط و أحمد الخطيب".

جاءت مبادرة روجرز الأمريكية التي قبلها جمال عبدالناصر فكتبت حينها جريدة الطليعة افتتاحية قوية هاجمت فيها عبدالناصر معبرة فيها عن رفضها لموقفه ، فظهر الإنقسام بين د.أحمد الخطيب و جاسم القطامي ، فأسس جاسم القطامي التجمع الوطني "ذو النهج الناصري" و أقام أحمد الخطيب حركة التقدميين الديمقراطيين الكويتيين "اليسارية" و كان الاختلاف بينهما واضحاً في انتخابات نادي الاستقلال و خوض انتخابات 71.




صدر قرار من المغفور له أمير البلاد السابق الشيخ صباح السالم بحل مجلس 75 حلاً غير دستوري. و كان التيار الوطني يعاني من تشرذم فكري و تنظيمي مقابل تحالف يزداد يوماً بعد يوم بين قوى الفساد و التيار الديني ، فكان هذا الحل رب ضارة نافعة و لحظة التئام الشمل .. البداية كانت في جامعة الكويت حيث اندمجت قائمة "الوسط الطلابي" المقربة من الناصريين بالقائمة "الطلابية الديمقراطية" المقربة من اليساريين و الماركسيين مكونين بذلك قائمة الوسط الديمقراطي. و بعد ذلك ظهر التجمع الديمقراطي الذي ضم كل الأطراف السياسية الفكرية المختلفة من التيار الوطني كالناصريين و التقدميين و الشيوعيين و البعثيين و باقي المستقلين الوطنيين ، و كان هدف هذا التجمع لم شمل التيار الوطني للمطالبة بعودة الحياة الدستورية الديمقراطية و العمل بدستور 62.

استمر هذا التجمع و انخرط بالحركة الدستورية "حد" بعد الحل الغير دستوري عام 86 ، و بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي الصدامي اعلن عن ولادة المنبر الديمقراطي عام 1992 الذي احتوى القوى اليسارية و الإشتراكية القومية ( التقدميين - الشيوعيين الماركسيين - الناصريين ) و بعض العناصر التقدمية الوطنية المستقلة .. أما البعث الكويتي فمات سياسياً مباشرة بعد الغزو بإستشهاد فيصل الصانع - ممثل البعث في الكويت - حيث قام الشهيد بتبدية الوطنية على الحزبية برفضه الخنوع لغزاة النظام العراقي البعثي البائد.

تحولت الحركات الوطنية في الكويت بعد التحرير من قومية إلى إقليمية بعد تخاذل بعض الدول العربية - أبرزها فلسطين - عن نصرة الكويت و وقوفها بصف النظام العراقي البائد مما أثر في الشعب الكويتي .. و للتيار القومي صولات و جولات مع التيار الإقليمي ، فالتيار الأخير يرى أن الكويت للكويتيين و أن القضايا الكويتية أولوية تأتي بعدها القضايا العربية. لكن التيار القومي يرى عكس ذلك و أن الكويت بلاد العرب و القضايا العربية بمصاف القضايا الكويتية ، و قد كان نادي المعلمين نموذجاً لهذا الاختلاف.

في عام 1997 اعلن عن ولادة تنظيم سياسي وطني ذو نهج ليبرالي لأول مرة ، كان ذلك التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة د.أحمد بشارة. و في عام 2002 تأسس التحالف الوطني الديمقراطي من قبل شباب قائمة "الوحدة الطلابية" - التي تخوض انتخابات اتحاد الطلبة في أمريكا - و بعض العناصر الوطنية بدعم من رموز العمل الوطني القومي كالدكتور أحمد الخطيب ، ليكون التحالف مظلة جامعة للقوى و الكتل الوطنية كالمنبر الديمقراطي و التجمع الوطني الديمقراطي.
و اليوم في مناقشة قانون "الخصخصة" برز الاختلاف و التنوع الفكري من جديد في التيار الوطني بين اشتراكي رافض للخصخصة، و بين ليبرالي مؤيداً لها .. هكذا كان التيار الوطني و لازال ، قالب متنوع يضم كل إصلاحي و كل من يحترم الدستور و يعمل به مهما كان فكره أو حراكه السياسي.

الأربعاء، 17 مارس 2010

أنـا كــافــر



هذا الوقت الذي اصبحت فيه الديمقراطية من المسلمات التي لا تقبل للنقاش كنظام سياسي تبنى الدولة عليه و أيضاً كسلوك إجتماعي و إداري بعدما كانت في تصور التيار الديني بأنها كفر و يجب استبدالها بنظام شوروي شرعي! الأخوان المسلمين ( فرع الكويت ) و السلف المنضوين تحتهم - آنذاك - الذين قادوا حملة "القرآن دستورنا" في السبعينيات بعد الحل الغير دستوري الأول بعام 76 نراهم اليوم و نرى من يتبعهم من مؤسسات المجتمع المدني يطالبون بالتمسك بدستور 62 الديمقراطي و يطالبون بتشريعات ديمقراطية و قرارات حكومية تتوافق و تنسجم مع الديمقراطية ، و إن كانوا في بعض الأحيان يفصلون الديمقراطية على مقاساتهم و أهوائهم إلا أن ذلك يحسب لهم بعض الشيء. الأخوان المسلمين من خلال الفرع الأم بمصر يطالبون أيضاً بدولة مدنية ديمقراطية .. و حتى إن بعضهم ذهب بعيداً عن منهجيته و طالب بالعلمانية كعبدالمنعم أبوالفتوح الذي طالب بدولة علمانية مشتركة بين فلسطين و الكيان الصهيوني! زعيم جماعة جند الله عبدالملك ريغي الذي أعتقل مؤخراً يطالب بالديمقراطية ، و حتى في السعودية أصبحت الديمقراطية محل اتفاق مشترك بين التيار التنموي الإصلاحي و التيار الديني المتشدد.

في بداية الألفية الجديدة أصبحت الديمقراطية دراجة "شكلياً" في برامج قوى الإسلام السياسي ، ففي الكويت أصبحت الديمقراطية - بالنسبة للتيار الديني - وسيلة لتحقيق غايات الشعب بعدما كانوا يستخدمونها كوسيلة لتحقيق غايتهم الرئيسة المتمثلة بأسلمة الكويت .. و صحيح انهم ما زالوا يقومون بالأسلمة إلا أنها تراجعت كثيراً عما كانت عليه في السابق. و ما يبرهن على ذلك حديث الكاتب و الداعية الإسلامي حمد سنان على قناة الوطن في برنامج اليوم السابع من أن التيار الإسلامي أصبح ينافس التيار الليبرالي في قضايا الحفاظ على المال العام و حماية الدستور و العمل على تشريعات تخدم الشعب بعدما كانوا في الثمانينيات يعكفون على أسلمة التشريعات و القوانين.




في كتيب صغير مرفق مع جريدة الوطن بعددها الصادر في 22 / 2 / 2010 صادر من مركز "و ذكر" يتحدث فيه عن المخدرات بطرح قصص "خيالة" تنم عن سطحية و رجعية فكر مؤلفها ، كفر "فؤاد الرفاعي" كل أهل الكويت .. شيعة و سنة ، حاضرة و بادية ، و خارج السور و داخله! كفرهم لأنهم مؤمنين بالديمقراطية ، كفرهم لأنهم يشاركون بالأعراس الديمقراطية ، كفرهم لأنهم وضعوا دستور ديمقراطي ، كفرهم لأنهم يسيرون على خطى أجدادهم في بناء دولة عصرية ديمقراطية حرة!



أصبحت الديمقراطية التي يجمع عليها الناس من أنها وسيلة لتحقيق السعادة الإنسانية .. أصبحت أفحش أنواع الكفر و الإلحاد ؟! أي عقل و أي شرع يقر هذا ؟! و أي واقع يصدق هذا ؟!

إن الإسلاميين و من يطالب بتطبيق شرع الله و يؤمن به هم أكثر من يستفيد و يتمتع في ظلال الديمقراطية ، هل أقول ملايين المسلمين المهاجرين لأوروبا الديمقراطية ؟! أم أقول حزب التحرير و الأخوان المسلمين اللذان يتحركان بكل حرية في لندن ؟! أم المدارس و الجامعات الإسلامية المنتشرة في فرنسا و أمريكا ؟! أم استند إلى مقولة رجال الدين و هم يعودون من الغرب و على لسانهم يقولون "رأينا الإسلام و لم نرى مسلمين" ؟! .. و الحديث يطول عن الأمتيازات و النعم التي يقدمها الغرب للمسلمين الذي أصبح جنة "سياسية" بعكس دولنا - المسلمة - التي أصبحت جحيم سياسي و معيشي.

واقعنا البائس أفرز أناساً - كفؤاد الرفاعي بمطوياته - أختزلوا الغرب بكاسة خمر و أتهمومهم بشهوة الجنس ، على الرغم من أن شهوة التكفير و الزندقة تستهويهم و هي أفدح و أعظم خطراً ! ما أكثر من ينادي الغرب بتصحيح نظرته للإسلام و للمسلمين ، لكني لم أسمع يوماً من ينادي بتصحيح نظرة عامة المسلمين السطحية للغرب ؟!

ناهيك عن منع الدكتور نصر حامد أبوزيد ، مساندة من هاجم آية الله السيستاني ، مهاجمة الدكتورة ابتهال الخطيب ، و الآن الرفاعي ذو الشعبية الواسعة يأتي و يكفر و يلحد مؤيديه قبل معارضيه!! أمور كثيرة تثبت جهل و تخلف مجتمعنا و مدى هشاشة ثقافته ، فخلال ثلاثة شهور تيقين لي مدى عمق الجهل الإجتماعي و إن أصحاب الفكر و المتنورين وجودهم صعب جداً في مجتمع كهذا يناقض نفسه بنفسه و يساند من يكفره و يلحده.

الثلاثاء، 2 مارس 2010

الـعـلـمـانـيـة تـقـلـقـهـم


( الدكتور بسام الشطي: أحذر من الإنشقاقات من بين الإئتلافية و الإتحاد الإسلامي لأنها تخدم العلمانيين و أهل البدع و الضلال ) الأنباء 6/9/2005.

( في ندوة الحركة السلفية بعنوان "وذكر" الأخواني أسامة الشاهين: الكويت ليست دولة علمانية ) الوطن 25/12/2009.




( الأمير خالد بن الوليد لدى تواجده في الكويت ناقش بديوان النائب وليد الطبطبائي بحضور هايف و
المسلم و محمد الطبطبائي أوضاع العلمانيين و الشيعة في الكويت ) موقع لجينيات 26/1/2010

الكثير من دعاة النظام العلماني يبررون معارضة الإسلاميين للدولة العلمانية لأنها ستسحب البساط عنهم و ما إلى ذلك من ضعف و تقلص "سلطوي" سيصيب الإسلامويين فيما بعد العلمنة. أتفق تماماً مع هذه الرؤية التحليلية ، و بل أزيد عليها مما استنتجته من التصريحات المذكورة أعلاه أن قوى الإسلام السياسي الطائفية بطبيعة منطلقتها الفكرية لا تقبل أن يتم التساوي بين الحقوق و الواجبات بين جميع الطوائف و المكونات في المجتمع ، و لن تقبل أن يكون الجميع صفاً واحداً في ظل دولة تتسم بالحياد الفكري و الديني ، و تراعي مشاعر جميع فئات المجتمع و إن كانت أقلية. و الأمثلة الواقعية على ذلك كثيرة.
يقول الكاتب حمد نايف العنزي ( في فرنسا: يمنع القانون الفرنسي أي كتابة أو حديث علني يؤدي إلى حقد أو كراهية لأسباب عرقية أو دينية، ويمنع أيضاً تكذيب جرائم الإبادة الجماعية ضد اليهود من قبل النازيين، ويمنع أيضاً نشر أفكار الكراهية بسبب الميول الجنسية للفرد، وسبق للقضاء الفرنسي أن اتهم المفكر الفرنسي رجاء جارودي بتهمة معاداة السامية حسب قانون 'جيسو'، ومنع أيضاً نشر لوحات دعائية تابعة لبيت قيغباود لتصميم الملابس وأمر بإزالتها خلال 3 أيام لأنه اعتبرها مسيئة للروم الكاثوليك وتدخلا مشينا وعدوانيا في معتقدات الناس الخاصة.
في ألمانيا: ينص البند الخامس في القانون الأساسي الألماني الذي يسمى Grundgesetz على حق حرية الرأي والتعبير، ولكنه يرسم حدوداً مماثلة للقانون الفرنسي تمنع خطابات الكراهية ضد العرق والدين والميول الجنسية، إضافة إلى منع استعمال الرموز النازية مثل الصليب المعقوف.
في كندا: يمنع القانون الكندي خطابات وأفكار الكراهية ضد أي مجموعة دينية أو عرقية، وتمنع الأفكار أو الكلام أو الصور التي تعتبر مسيئة أخلاقياً من الناحية الجنسية حسب القوانين الكندية.

في الولايات المتحدة الأمريكية: وضعت المحكمة العليا مقياساً لما يمكن اعتباره إساءة أو خرقا لحدود حرية التعبير، ويسمى باختبار ميلر Miller test ويعتمد المقياس على 3 مبادئ رئيسة وهي: إذا ما كانت أغلبية الأشخاص في المجتمع ترى طريقة التعبير مقبولة، وإذا ما كانت طريقة إبداء الرأي تتعارض مع القوانين الجنائية للولاية، وإذا ما كانت طريقة عرض الرأي تتحلى بصفات فنية أو أدبية جادة. )

على ضوء ذلك نتساءل .. ماذا لو كانت لوحة فؤاد الرفاعي في دولة علمانية ؟! و ماذا سيحدث إذا أشتكى عدداً من الشيعة لسلطات دولتهم العلمانية إذا علموا أن محمد العريفي آت لها ؟! و لماذا أشتكى الشيعة الكلباني و من قبله بن جبرين في ألمانيا العلمانية و لم يشتكوهما في الدول الإسلامية ؟!

بالطبع ستمنع الدولة العلمانية ذلك ، لأن العلمانية لم تأتي إلا لتخلص الشعوب من الطائفية و الكراهية .. و هذا ما يغضب الإسلامي الذي ينطلق من طرح يستند لفقه واحد و موجه لطائفة واحدة متجاهلاً باقي الفئات بأعتبار أن فقهه و طائفته تمتلك وحدها الصواب و الحقيقة المطلقة ، و أما من يخالفه فهو يتراوح ما بين مبتدع أو ضال أو زنديق أو كافر! و هؤلاء أما يخضعوا له ، أو يتم إزدراءهم و الاحطاط بهم إلى أن يتم التخلص منهم. فالعقلية الإسلامية المؤدلجة مبنية على الجبر لا التخيير و سلاحها السوط و الأرهاب لا الكلمة الطيبة و المجادلة الحسنة .. تكون أولا تكون ، تختلف معي يعني تخالفني و تقف ضدي!

قلة دور العبادة لشريحة تمثل أكثر من 33% من المجتمع ، و قلة الكنائس ، و التضييق التي يتعرض له الإسماعليون في ممارسة عبادتهم لم يأتي إلا عندما سيطر الإسلام السياسي على المخرجات الديمقراطية ، و الأمر لا يتوقف فقط على حرية العبادة إنما الأمر وصل إلى التشريعات و المناهج الدراسية في فرض معتقدات لا تؤمن بها شرائح في المجتمع ، بل و تكفرهم و "تأثمهم" دون أية مراعاة لهم!


مهما اختلفت انتماءات قوى الإسلام السياسي و اختلف موقعها و مدرستها تبقى طائفية أحادية و تقلقها الأطروحات الوطنية و الوحدوية. الحياد ، الحرية و العدالة و المساواة و الاحترام للجميع .. مفاهيم تناقض و تصطدم مع الإسلاميين و تقلقهم ، فدائماً يربطون مخالفيهم دينياً بالعلمانيين ، لأنهم يعلمون لا عز لمخالفيهم إلا بالدولة العلمانية
.






السبت، 23 يناير 2010

الـتـكـفـير فـي تـاريـخ الـكـويـت




"عبارات التكفير والردة لا تتردد إلا على ألسنة الجهلة الذين أغلقوا عقولهم".
شيخ الأزهر د. محمد سيد طنطاوي


أطلقت عبارات التكفير لأول مرة في التاريخ الإسلامي على ألسنة الخوارج الذين رفضوا التحكيم بعد معركة صفين تحت شعار يراد به باطل مفاده ( لا حكم إلا لله ) و بذلك سطرت في صفحات التاريخ أول حادثة تكفير متسترة بعباءة دينية.


هذا النهج التكفيري المتدين الذي ظهر منذ أكثر من 1400 سنة ازدادت وتيرته و "شعبيته" في منطقتنا في عقود من الزمن ليست ببعيدة عنا. بل و تطور هذا النهج إذ أصبح لأصحابه مكانة و معاملة خاصة لدى بعض الحكام ، و كل هذا بسبب التقاء المصالح و شهوة الدم و الظلم .. و حجب العقل !


الكويت بموقعها الحساس تتأثر بكل ما هو حلو و مر يطرأ على المنطقة ، فلم تسلم و يسلم أهلها من التكفير و وزره ! طال التكفير "الوافد" مصلحي الكويت و مؤسسيها و حلفاءها و ضيوفها .. و لولا نباهة أهل الكويت - آنذاك - لحدث ما لا يحمد عقباه.





- للأمير خزعل الكعبي - حاكم المحمرة - علاقة حميمة مع الشيخ مبارك الكبير بدأت في 1320 هجري. كانا كالأخوة الأشقاء إذ قام خزعل ببناء قصر لأخيه الشيخ مبارك في الفيلية ، فقابله الشيخ مبارك ببناء قصر له - خزعل - بجانب قصره .. أصبح هذا القصر الآن معلماً من معالم الكويت. في ربيع الثاني سنة 1333 هجري بعد احتلال الانجليز للبصرة ثار الناس على الشيخ خزعل الكعبي - حاكم المحمرة - لدعمه للانجليز. و أمام هذه الثورة على الأمير خزعل أراد مبارك الكبير أن يجند مجموعة من الكويتيين لمناصرة خزعل ، فقام حينها أثنان من رجال الدين ( محمد الشنقيطي - حافظ وهبة المصري ) بالذهاب للدواوين و إخبار من فيها أن مناصرة الشيخ خزعل تؤدي إلى الردة و الكفر (1) فتأثر الكثير منهما ، و عندما جاء الأمر لهم بالمسير رفضوا الاستجابة للأمر ! أخبر الشيخ جابر والده مبارك الذي كان في الفيلية بما حصل فغضب شديداً و تعهد بتعكير صفوهم و قال لهم: ( أنا لم أرد رجالاً لقتال و إنما سفناً لنقل أثاث أخي خزعل و أمواله و عائلته إلى الكويت ) فتم تجهيز 180 رجلاً في ست سفن شراعية لفعل اللازم (2).

استدعى الشيخ مبارك لرجلي الدين اللذان حرضا الناس لعصيانه فقال لهم: ( من حسن إسلام المرء تركه فيما لا يعنيه .. أنا مسلم عثماني أغار على ديني و دولتي و لا أحب أن يتعرض أحد لهما بالسوء غير أني اتفقت مع الانجليز على أمر فيه نفع لي و لبلدي ، و لهذا لا أحب الطعن فيهم و إن كنت لا أحبهم و ديني غير دينهم ... الذي ينازعني فيها - الكويت - ليس له عندي إلا القتل ) فقال الشنقيطي: ( إن من أخبرك هذا فقد أخطأ و لم يتحر الحقيقة ) فرد مبارك: ( لا بل هو صادق فيما قال ). (3)



أرسل الشيخ مبارك كاتبه الخاص ملا صالح لأخذ موعد مع الشنقيطي بعد ثلاثة أيام. هنا ارتاب الشنقيطي و خاف أن يكون وراء ذلك مكيدة ، فهرب للزبير. (4) و أما عن الذين تأثروا بالشنقيطي و حافظ و قاموا بعصيان مبارك و الخروج عن طاعته فلولا شفاعة المقربين إليه لفرض عليهم ضريبة فادحة.(5) و بعد وفاة الشيخ مبارك جاء الشنقيطي للكويت قادماً من القصيم فأرسل الشيخ سالم المبارك للشنقيطي و خاطبه قائلاً: ( إني احترم العلم و أهله و لولا ذلك لعاقبتك عقاباً شديداً تكون فيه عبرة لمن بعدك و لكني سأغض النظر عن معاقبتك الآن غير أني لا أطيق بقاءك في بلدي و عليك أن تغادرها بعد ثلاثة أيام ) فقال الشنقيطي: ( البلد بلدك و لا يمكنني البقاء فيها إلا بإذن منك و برضاك.) (6)

- عبدالعزيز بن صالح العلجي الإحسائي رجل عرف عنه بإثارة الفتن و النعرات ، فقد كان يطلق الكفر و الإلحاد على المسلمين و يستحل دماءهم. محمد رشيد رضا كان أحد ضحايا فكر هذا الإحسائي التكفيري ، حيث كان يقول فيه:

إلى الله نشكو من ضلال على عمد .. أتتنا به الجهال عن كل مرتد

قلوا كتب الأسلاف و استبدلوا بها .. سجلات أصحاب المنار (7) التي تردي

من خلال تعاليمه التكفيرية هذه حاول أحدهم قتل محمد رضا خلال زيارته للكويت .. حيث ترصد له بالطريق الذي يمر منه عادة ، و لكن في هذا اليوم كان من لطف الله على محمد رضا عدم مروره بالطريق ! (8) الشيخ مبارك الكبير كعادته و بفطرته علم بكل ما جرى و بسداد رأيه بالشدائد و أحلك الظروف ذهب للذين يأوون ذلك التكفيري و قال لهم: ( أعطوا صاحبكم ما قسم له و دعوه يذهب إلى بلده فلسنا في حاجة إلى أمثاله ممن يبثون الفتن و يحكمون على أهل العلم بالكفر و الضلال ، دعوه يغادر البلاد سريعاً و إلا أخرجناه منها قسراً ) و قد صرح معتقديه في أحد المجالس أن قتل ثلاثة من أهل الكويت ثمن لدخول الجنة بغير حساب و هم يوسف بن عيسى القناعي و صقر الشبيب و عبد العزيز الرشيد. (9)

- كان العداء على أشده بين آل الصباح و آل سعود خلال فترة حكم الشيخ سالم. من ضمن ما يقوله أنصار ابن سعود لتبرير عدائهم للكويت أن الشيخ سالم ينفر من مذهب الوهابيين. أما أنصار سالم فيقولون إن الأخوان كفروا أهل الكويت و الشيخ سالم. (10)




- بعد حادثة الجهراء جاء منديل بن غنيمان أحد أقارب الدويش نائباً عنه قال للشيخ سالم: ( إن الدويش يريد مسالمتكم و هو يدعوكم إلى الإسلام و ترك المنكرات و الدخان و إلى تكفير الأتراك فإن أذعنتم لما أراد و قبلتموه أسلمكم على القصر و ما فيه و إلا فسيرخص للإخوان بمهاجمتكم ) فقال سالم: ( أما الإسلام فنحن مسلمون و لم نكفر يوماً ما لأن الإسلام مبني على خمسة أركان و نحن عليها و نزيل من المنكرات ما وسعنا إزالته و لم يثبت عندما ما يوجب تكفير الأتراك ). (11)




- العدد الخامس من مجلة راية الإسلام الصادرة بالرياض قام إبراهيم الجبهان "كويتي الجنسية" بالتهجم على عقائد الشيعة ، فما كان من الشيخ عبد الله السالم إلا طرده من الكويت بعدما علم بما فعله هذا الطائفي.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


(1) كتاب "تاريخ الكويت" لعبد العزيز الرشيد ص 204

(2) المصدر السابق ص 205

(3) المصدر السابق ص 206

(4) المصدر السابق ص 207

(5) المصدر السابق ص 208

(6) المصدر السابق ص 241

(7) مجلة المنار أول مجلة إسلامية في العالم الإسلامي كان يشرف عليها محمد رشيد رضا.

(8) كتاب تاريخ الكويت ص 346

(9) المصدر السابق ص 347

(10) المصدر السابق ص 246

(11) المصدر السابق ص 256

الجمعة، 25 ديسمبر 2009

كانت مدينتنا .. ذهــب

لـعـامـة مـن أدلـج الإسـلام و لـمـن اتـخـذ الـقـبـيـلـة مـرجـعـيـة لـه

مـديـنـتـنـا كـانـت .. ذهــــب

الجمعة، 25 سبتمبر 2009

شرور العمل الخيري الكويتي !




بالأمس ليس بالبعيد احيا العالم ذكرى هجوم 11 سبتمر 2001 الأرهابي الذي خلف وراءه آلاف القتلى و الضحايا الأبرياء. دلت التحقيقات و وفق الاعترافات ان تنظيم القاعدة في أفغانستان هو المتسبب بهذا الهجوم الأرهابي السافر ، و أيضاً اسفرت التحقيقات على حصول القاعدة لتمويل مالي من أفراد و جهات عدة ساعدت بشكل رئيسي على هذه الفعلة الشنيعة بحق البشرية أجمع.



الجمعيات و الهيئات الخيرية المنتشرة في الدول العربية و بالخليج بشكل خاص كانت من ضمن الكيانات التي قامت بتمويل القاعدة لهذا العمل الإجرامي ، فهذه الجمعيات استغلت حب الناس و تهاتفهم في سبيل الخير بالتستر بجمع الأموال بلحاف خيري ظاهره خير و باطنه شر تترجم في مساعدة تنظيم القاعدة سيء الذكر !

أهل الكويت - كغيرهم من شعوب العالم - جبلوا على ميلان قلوبهم للمسكين و فاقد الحيلة ، و التاريخ يشهد لهم بالعمل الخيري الإنساني الذي لم ينقطع و لن ينقطع بأذن الله ، فالعمل الخيري غاية كل من يملك الشعور الإنساني.


أمام هذا الحب و التهافت لعمل الخير من قبل أهل الكويت أستغل ضعاف النفوس و عديمي الرحمة و الإنسانية العمل الخيري أقذر و أبشع استغلال في تحول العمل الخيري إلى شرور كلف و لازال يكلف البشرية المصائب و الويلات ! هذا الإستغلال المفعم بالقذارة المنهجية كان من قبل جمعيتي ( إحياء التراث الإسلامي ) و ( الإصلاح الأجتماعي ) وفقاً لما ذكرته التقارير و الأحكام و التحقيقات التي سنعرضها فيما يلي و التي قامت بها عدة دول تقهقرت و عانت من الأرهاب الفكري و الدموي الذي مورس من قبل القاعدة الممولة من جميعتيين كويتيتيين ، فشرور هاتان الجمعيتان لم يتوقف فقط بعد 11 سبتمبر إنما أمتد لعدة سنين بمختلف الأمكنة !




- البداية مع حادثة 11 سبتمر سنة 2001 التي هزت العالم المتمثلة بهجوم القاعدة على مركز التجارة الدولية و الباتنغون حصد آلاف الأرواح و المصابين من المدنيين الأبرياء ؛ قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتحريات و توصلت لمن نفذ الأعتداء و من موله و دعمه ، فكانت جمعية إحياء التراث الإسلامي على رأس قائمة ممولي هذا الهجوم الأرهابي وفقاً لما نشرته وزارة الخزانة الأمريكية بتقرير صادر في 9 يناير سنة 2002 ، فقد ذكر التقرير الأمريكي أن أسامة بن لادن أسس في مكتب جمعية إحياء التراث في باكستان - بمدينة بيشاور القريبة من الحدود الأفغانية - لجنة لدعم القاعدة بأفغانستان بأسم "اسيان" بإدارة كل من عبدالمحسن الليبي مدير مكتب إحياء التراث في باكستان بتوليه تدبير عمل اللجنة ، و أيضاَ أبوبكر الجزيري المدير المالي لللجنة ، و ذكر التقرير ذاته أن الأول قدم الأموال و الستهيلات لبن لادن في بيشاور و استلام الرسائل منه أما الثاني فقد كان يعمل في جلال آباد في افغانستان ثم انتقل لباكستان في 2000 لمواصلة جمع الأموال من خلال تحويل أموال اليتامى و الأرامل لأرهابيي القاعدة ، و بذلك تصبح جمعية إحياء التراث الإسلامي كيان أرهابي بموجب القرار رقم 13224 الصادر من وزارة الخارجية الأمريكية.


على أثر ذلك اعتقل 3 اشخاص تم إيداعهم في معتقل غوانتنامو يعملون في جمعية إحياء التراث الإسلامي في باكستان و هم:


1- محمد فنيطل الديحاني: كويتي الجنسية يعمل محاسباً في جمعية إحياء التراث الإسلامي في مكتبها بباكستان ، اعتقل بعد ما طلب من طلب من السلطات الباكستانية إيفاده للسفارة الكويتية لكنهم سلموه للأمريكان.

2- سالم محمود آدم: سوداني الجنسية يعمل في جمعية إحياء التراث الإسلامي منذ سنة 1994 مشرفاً على المدارس التابعة للجمعية.
3- حماد علي جاد الله: سوداني الجنسية يعمل محاسباً في جمعية إحياء التراث الإسلامي منذ أبريل سنة 2000.




- أدرج القائمة الموحدة بمجلس الأمن - أنشأت بقرار 1267 بشأن تنظيم القاعدة و طالبان - جمعية إحياء التراث الإسلامي ضمن الكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة و ذلك بالصفحة الـ 72 للقائمة الموحدة.


- من الولايات المتحدة الأمريكية إلى روسيا و الدول المجاورة لها ؛ ذكرت صحيفة روستوف الإلكترونية أنه في ديسمبر سنة 2001 ألغت السلطات الأذربيجانية ترخيص مكتب جمعية إحياء التراث الإسلامي لدعمها الجماعات الأرهابية في القوقاز.






- في 27 مايو سنة 2002 و تحديداً في بروكسل عقد اجتماع الأتحاد الأوروبي برئاسة الأسباني ارياس كانيتي ، تم وضع جمعية إحياء التراث الإسلامي ضمن الكيانات الممولة و المرتبطة باللقاعدة ، و خاضعةً للمادة الثانية القاضية بتجميد الأموال .. علماً ان قرارات الأجتماع ملزم تطبيقها لجميع الأعضاء بالأتحاد الأوروبي.



- في 14 فبراير من عام 2003 حكمت محكمة روسيا العليا برئاسة القاضي Romanenkov بحظر انشطة جميعيتي إحياء التراث الإسلامي و الإصلاح الأجتماعي على أراضي روسيا و أراضي رابطة الدول المستقلة ( بيلاروسيا - اوكرانيا - مولدافيا - جورجيا -ارمينيا - اذربيجان - تركمانستان - أوزباكستان - كازاخستان - طاجكستان - قرغيزتان ) معللة بأن هاتين الجميعتان تهدفان إلى قلب نظام الحكم العلماني و احلال الخلافة الإسلامية مكانه و أنفصال المسلمين عن باقي المجتمع بالإضافة إلى إثارة العصبية الدينية و تمويل الجهاد المسلح في شمال القوقاز.





- من روسيا إلى بنغلادش ، ففي عام 2004 ألقي القبض على الشيخ عبدالرحمن زعيم جماعة المجاهدين و قد صرح للوسائل الإعلامية بتلقيه أموالاً من قبل جماعة أهل الحديث المدعومة من جمعية إحياء التراث الإسلامي ، و في 23 فبراير من عام 2005 أعتقل محمد أسد الله غالب آخر زعيم لجماعة المجاهدين في بنغلادش ، و وفقاً لتقرير صحفي لجريدة كرستيان ساينس مونتيرو الأمريكية قالت وكالة الأستخبارات البنغلاديشية أن الأرهابي أسد الله غالب قد تلقى أموالاً كبيرة من جمعية إحياء التراث الإسلامي ، و على أثر ذلك في 6 مايو من عام 2007 أبلغت الحكومة البنغلاديشية جمعية إحياء التراث الاسلامي بإلغاء تسجيلها وسط مناشدات من قبل الجمعية لإعادة النظر في القرار ( الديلي ستار - 4 يونيو 2007 )


- في 16 اكتوبر سنة 2006 نقلاً عن جريدة ميغابولوس الروسية .. ادرجت السلطات الكازاخستانية جمعية الإصلاح الإجتماعي ضمن 12 جماعة إرهابية انشطتها محظورة في كازاخستان ، و ذكر الدكتور باسل الحاج جاسم "متخصص في شؤون رابطة الدول المستقلة" بعد شهرين في صحيفة الحياة اللندنية أن السلطات الكازاخية اغلقت الجامعة "الكويتية - الكازاخية" الممولة من قبل جمعية الاصلاح الاجتماعي بسبب تحريضها للإرهاب.





- في 16 مايو سنة 2008 أرسل بيرغانيم آيتيموفا ( الممثل الدائم لكازاخستان في الأمم المتحدة ) للقائمة الموحدة بمجلس الأمن التقرير الوطني لجمهورية كازاخستان لشرح آخر المستجدات في وضع الأرهاب بكازاخستان ، و في الصفحة الثالثة من التقرير ذكر أسم جمعية الإصلاح الأجتماعي ضمن 14 منظمة إرهابية متطرفة بالجمهورية الكازاخية.







- نعود لأمريكا ، ففي 13 يونيو 2008 جددت الحكومة الأمريكية تأكيدها على أدلة تمويل جمعية إحياء التراث الإسلامي لتنظيم القاعدة و عمليات ارهابية في شرق آسيا و افريقيا بتقرير صادر عن وزارة الخزانة ، و قد قال ستيوارت ليفي "وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب و الإستخبارات المالية" أن جمعية إحياء التراث أستخدمت العمل الخيري الإنساني كغطاء لتمويل أنشطة القاعدة و إيذاء الأبرياء و المدنيين.





تناول التقرير الأمريكي تقديم دعم جمعية إحياء التراث لـ "عسكر طيبة" التي قامت بهجوم عدة قطارات بمومباي ، و قد قامت عدة زيارات بين زعيم عسكر طيبة و مسؤولي إحياء التراث بالكويت ، و في أواخر سنة 2007 جمعية إحياء التراث الإسلامي ترسل شهرياً و بأنتظام أموالاً لعسكر طيبة من خلال مكتبها في باكستان .


و أبرز ما تضمنه التقرير هو دعم جمعية إحياء التراث للعمليات الإرهابية في جنوب شرق آسيا التي كانت تنفذها الجماعة الإسلامية بتخطيط من رضوان عصام الدين "حنبلي" الذي كان يتلقى أموالاً و مساعدات من قبل أحد العاملين بجمعية إحياء التراث الإسلامي بمكتب أندونيسيا.


آخر ما تضمنه التقرير الأمريكي هو تلقي أنصار تنظيم القاعدة في الصومال أموالاً كبيرة تقدر بمئات آلاف الدولارات المقدمة من جمعية إحياء التراث الإسلامي إلى أنصار القاعدة.



--------------------------------


بعد هذا الأستعراض لشرور العمل الخيري ما زالت الجمعيتان تسرحان و تمرحان في الكويت و خارجها وسط سكوت و سكون حكومي و شعبي عن وقف هاتين الجمعيتين عن بث أرهابهم الفكري المؤدي للأرهاب الدموي المسلح الذي يحصد يومياً الأبرياء و المدنيين ، و الأمر من ذلك أنها تحمل أسم دولة الكويت و أهلها الخيرين في أعمالها الأرهابية !



أن الإجراء الحكومي لوقف هذا الشرور بسيط جداً متمثل بتطبيق المادة السادسة من قانون جمعيات النفع العام ( رقم: 24 / 1962 ) التي تنص على أنه "لا يجوز للجمعية او النادي السعي الى تحقيق أي غرض غير مشروع ، او مناف للآداب ، او لا يدخل في الاغراض المنصوص عليها في النظام الاساسي لكل منهما. يحظر على الجمعية او النادي التدخل في السياسة او المنازعات الدينية ، او اثارة العصبيات والطائفية والعنصرية".


و الحل سيكون مصيرهما بالتأكيد بعد تفعيل المادة السابعة و العشرون من القانون ذاته التي تنص على أنه "يجوز بقرار من مجلس الوزراء بناء على عرض وزير الشئون الاجتماعية والعمل حل الجمعية في احدى الحالات التالية :

- اذا تناقصت عضويتها الى اقل من العدد المنصوص عليه في المادة الرابعة من هذا القانون.
- اذا اصبحت عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها المالية.
- اذا خالفت احكام هذا القانون او النظام الاساسي للجمعية او قامت باعمال تخرج من اهدافها.
- اذا لم تقم بأي نشاط فعال في سبيل تحقيق اغراضها.
- اذا اقتضت دواعي المصلحة العامة او الامن العام ذلك".


لكن هذا التنفيذ بحاجة لحكومة جادة و قوية لا لحكومة رضعت التيارات الإسلامية حليب السباع طوال ثلاثين عاماً !